في تلك المسافة
الضئيلة بين الاتزان والجموح..ربضت أفكاري معلنة حالة تلبس بالضباب!
سقط المنبه أرضا بعد تعرضه للكف الصباحي.. ما
أفقرني في هذا الشروق الغائم.. روحي كسلى.. ونفسي جوعى لكسرة ضوء! لن اطعم اليوم
طريق مسقط السريع زاده اليومي من عمري ! سامنح نفسي .. قسطا من الحياة!
اوصلت فراس إلى مدرسته على عجل.. ثم ادرت
دفتي إلى البحر الذي كان على غير عادته.. مرتديا طقسا رماديا هائجا..مزاج السماء غائم..
وضجيج أسراب النورس على البحرعائم .. وقوارب الصيد تربض خاشعة عند الشط.. جلست
قبالة مده الثائر..رغم فحيح البرد.. أعاقر الصمت !
"لو لم اصطدم بها لوقعت في غرامك"!
ابتسامة مهذبة بالحزن تسللت مع هدير الأمواج إلي.
انتهز البحر شرودي عنه.. بمزحة مبتذلة.. موجة
طائشة صفعت خيالاتي بشراسة مثيرة! تشربت ملابسي رائحة البحر وانطلى لونه الباهت على
جسدي!
نفضت عني انفعالاتي.. ولعنت الزمهرير.. الذي أحالني
إلى عصفور ضئيل.. يستجدي دفئا عاصفا!
عدت أدراجي إلى البيت لأجد أخي واقفا في
الكراج.. يسألني بقلق: أين كنتِ ألم تذهبي اليوم إلى العمل؟
لاسدل على هواجسه الستار أجبته على عجل: ذهبت
إلى البحر.. اشعر بتوعك لذلك لم اذهب إلى العمل!
تفحصني بعناية وهو يمرر ناظره على جسدي الذي
انتهكه البحر والرمل: اتمنى ألا تذهبي بمفردك مجددا... انتظري عودة فراس وخذيه معك
كما كنت تفعلين! اعتقد أنك تدركين حقيقة وضعك الآن!
تأملت شقيقي الذي كنت له أمـا ذات طفولة... الذي
كانت خاصرتي النحيلة له مقعدا..احتمله حيثما اذهب عكس تيار طفولتي.. كنت منهمكة
بواجب الأمومة له عوضا عن اللعب مع الأقران.. كنت غاسلة نجاساته بلا تأفف.. وهارسة
طعامه لفمه الخالي من الأسنان.. هاهو الآن يكشر عن أسنانه ممليا علي ما يجب أن افعله
بقامته التي تجاوزتني طولا وعرضا!
نعم أخي..
حقيقة وضعي أني احمل عار الطلاق... وتدور حولي الشبهات حتى تثبت براءتي من كل ذرة
شك!
دلفت
المنزل اغالب دموعي.. لماذا المرأة تتحمل رزايا الرجل! كلمة مطلق ..تؤجج التعاطف..بينما
إذا اضيف تاء التأنيث.. أصبح عارا و تهمة بالتقصير والفشل!
في داخلي غضب يستعر، ورغبة جامحة للخروج من
سلطة بيت أبي وقسوة المجتمع!
تحت زخات المياه الباردة.. وأنا اغسل عني لطخة
البحر.. انهمرت دموعي بغزارة الحزن الذي يستوطنني.. هاهو ذات السيناريو، يتكرر معي
قبيل اقتراني بوالد فراس!
عربدت في مخيلتي النازفة... صور وذكريات
طازجة الوخز.. ألم يكن سبب هروبي إلى الاقتران بحسن... هو تقييد القبيلة لعنان
طموحي الأكاديمي! التجأت الى مظلة الزواج
كي احمي نفسي من عواصف الغيرة العمياء
والحرص المبالغ فيه للاسم الفخري للعائلة! ورغم حماس حسن لطموحي الأكاديمي ..
إلا إن الوفاق فارقنا في الأمور الحياتية الاخرى.. مما يذكرني بمقولة للشاعر خميس
قلم " نعم لسنا مختلفين بما يجعلنا نفترق، أما هل نحن متفقين بما يكفي لنكون
معا؟"
فضاق فضاء العائلة.. وتلطخ بشت الوجاهة لنبأ
طلاقي! واستمات المحارم لإعادة هذه الشاة المارقة على الأصول لحظيرة الزواج الآمنة
كما يزعمون! كم هذا مثير للسخف.. والحنق.. ضحكة مرّة تتحشرج في بلعومي.. ههه
الشرف.. والعائلة قد صدّرت شبابا ذو قضايا اخلاقية وادمانية بل وحتى ارهابية ..
ومازال شرف العائلة مصانا .. لأن الجناة مجرد ذكور رفع المجتمع عنهم القلم! سحقا للعاهات
!
عقدت العزم وأنا ارتدي ملابسي.. أن اكرر ذات
السيناريو الغبي.. فمظلة تركي أهون من هذا الهوان!
سأذهب إلى ابي... إلى المزرعة التي امتصت صدمته من افاعيل الحياة..حيث يقضي أبي
صباحاته بين الزروع السخية والبهائم الوديعة.. منذ إحالته إلى التقاعد وهو في أوج
عطائه الوظيفي...توجهت إلى المطبخ ..حزمت وجبة افطاري... واعلمت أمي بنيتي الإفطار
مع أبي في المزرعة.. وفي الطريق إلى المزرعة وقفت أمام احد البقالات اشتريت مجموعة
من العصائر و الوجبات الخفيفة ..لعمّال المزرعة الآسويين..كما عوّدهم أبي!
هئنذا اقترب من المزرعة بعزم ...افكار كثيرة
تدور حولي.. مالذي افعله أنا..ماهذا الجنون! أهكذا تتخذ القرارات؟؟ ألن تتوبي من
جموحك العاطفي؟
هششت عن رأسي التساؤلات الرعناء... ودلفت من
بوابة المزرعة المشرعة بحب لكل وافد إلى فيحاء أبي حفظه الرب .. هاهي سيارة أبي ماثلة
أمامي تحت ظل شجرة اللوز الفارهة بالاخضرار.. تحمست نبضات قلبي بشدة.. حملت الإفطار
والعصائر.. متجهة إلى مجلس أبي المفتوح
بكل رحابة .. وانا اتجاوز سيارة أبي لمحت سيارة اخرى تركن بمحاذاتها ..استبد بي
الغضب لافساد خطتي..اكملت مسيري متحدية شرائع التقاليد.. سيكون ضيفا كهلا ..
لا ضير من اقتحامي مجلس ابي افتيت نفسي ..لحظتئذ.. ثمة رغبة ملحة في جوانحي جعلتني التفت مجددا
إلى السيارة الغريبة...قرأت ذلك الرقم المميز الذي يشترى بأسعار فلكية ..أحيانا
تفوق قيمة السيارة ذاتها.. اتسعت عيناي دهشة!
إنها سيارة تركي!!!
يتبع،،،
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق