روح البحث

الأربعاء، 31 يوليو 2013

حطــــــام 4

كسحابة بضة تداعب حقلا كهلا فتعيد إلى شرايينه روح الوجود!


أبي,, لم تجدِ طقوسك الصوفية نفعا..فلم تجلب لنا بركة ولم تدفع عنا قدرا أغبرا!
رفع بصره إلي،،واسترسلت: مازلت أذكر نذورك التي كنت تحرص على تقديمها في الأبيض*، فتحلق رؤوس اخوتي، وتحممهم بمياه الوادي* .. ثم تنثر  القرابين* بجانب الضريح* ..وتلقي بملابس اخوتي على تلك الشجرة التي تكاد تورق ملابسا صغيرة عوضا  عن الأوراق والثمر*!
اغرورقت عيناي بالدمع وتهدج صوتي: مازالت الاحزان تداهمنا أبي!
وأبي بدا كقشة صفراء في مهب عاصفة..ثم تنهد ونظر إلي بحزم بعدما استجمع إيمانه: استغفر الله يابنتي .. أداخلكِ اليأس.. ولم لا تعتقدين ان بلاء أشد قد دفع عنا !! أولا تنظرين إلى مصائب الناس!
السلام عليكم...
دلف فراس من الباب الكبير ،، ملقيا علينا السلام... والتراب والوحل يغطيانه من رأسه إلى أخمص قدميه!
وعليكم السلام .. تعلم ماذا يجب أن تفعل !
With pleasure my lady
ضحك أبي: ابنك هذا عجيب! لغته الانجليزية ممتازة رغم إنه درس في مدرسة حكومية!
ارتسمت على وجهي بسمة رضا!
إنه انت،، من يخلق لي سببا وجيها للبقاء على النبض،، أخاتل فلول الاحزان بأماني أرنو لتحقيها لك! إنه أنت من يَمُدني بالحياة كحبل سري! كسحابة بضة تداعب حقلا كهلا فتعيد إلى شرايينه روح الوجود!
------
الأبيض: قرية بهية بالطبيعة تابعة لولاية نخل
الوادي: وادي يجري في هذه القرية يسمى بوادي الأبيض
القرابين: عادة ما كانت رزا أو ذبيحة أو حلوى عمانية
ضريح : الولي علي بن سعيد ولا معلومات اخرى
شجرة : يلقى عليها ملابس الاطفال المنذور لهم بعد استحمامهم في مياه وادي الأبيض!
يتبع.....

الاثنين، 29 يوليو 2013

حطـــــــام 3

لا تحاول الاختباء بداخل غضب,, الجلاء لا يمكن ان يختبئ!
جلال الدين الرومي


يالهذا الفتى لا يتغير أبدا: غمغمت حانقة وأنا انتشل ملابسه من أرضية الحجرة،  ووضعتها في سلة الملابس، انها الخامسة والنصف لابد إنه في الملعب مع أصحابه،، هل أنهى فروضه المدرسية؟
خرجت إلى ساحة المنزل، كان أبي جالسا بين يديه رباعيات جلال الدين الرومي الذي أهديته إياه ، قبلت رأسه وسحبت كرسيا لأجالسه، ترك الكتاب والتفت إلي يسألني ككل يوم باهتمام شديد: كيف كان يومك في العمل؟ هل أنتِ مرتاحة ؟
تنهدت وداهمتني هواجسي مجددا: ليتك أبي كنت تسألني قبلا، بهذا الالحاح، لما ضاع العمر سدى!
أومأتُ له بالايجاب: كل شيء على مايرام أبي.
عذرتُ أبي مستدركة هذه الحقيقة المفصلية، فأعصابنا تحس بلحظات الانتقال لا بلحظات الاستمرار، كما قال مصطفى محمود*، كالمنظر الذي تطل عليه من نافذتك يثيرك للمرة الاولى ثم يصبح عاديا ثم تنساه تماما!  لقد اعتاد أبي هزالي وصمتي فلم يخطر له أني على وشك الانفجار!
انغمس أبي في الرباعيات، ولذتُ للصمت، وأنا استرق النظر الى الصفحة التي يقرأها!
انه يقرأ ما استقر في وجداني:
"لا رفيق سوى العشق.
طريق، دون بدء أونهاية.
يدعو الرفيق هناك:
مالذي يمهلك حين تكون الحياة محفوفة بالمخاطر"!
لارفيق,,يرافق الانسان ويرفق به ويرققه سوى العشق! الذي هو طريق بلا بداية أونهاية،، بأي أنامل تكتب ايها الشيخ الجليل، أتصفُ الطريق الذي جمعك بشمس الدين التبريزي،،فأنطقك شعرا؟! يدعوك الرفيق هناك: هلم تنعم...فالحياة قصيرة وهالكة! آآآه يامولانا العشق بات بلا طعم كوجباتنا السريعة، لا تسمن صحيا ولا تغني من جوع اللذة!
جاءت أمي تحمل صينية فيها كوب شاي وكعك، قمت أحمل الصينية من يديها وقبلت رأسها : مساء الخير أمي.
فهمهمت أمي: لم أحضر لك كوب شاي، لم اعلم إنك مستيقظة!
همست وأنا اضع الصينية على الطاولة الصغيرة المنصوبة أمام أبي: لا بأس أمي سأحضر لي كوبا..
لم تدعني أمي، كي أظل بجانب أبي وساندها أبي آمرا إياي بالجلوس ، أتراه سمع أزيز هواجسي؟
همست في نفسي:
النور الذي تطلعه لم يأت من ميضأة.
لم تنشأ قسماتك من منيّ!
لا تحاول الاختباء بداخل غضب..
الجلاء لا يمكن أن يختبئ!
فانفلتت مني بصوت مسموع: لا تحاول الاختباء بداخل غضب,, الجلاء لا يمكن أن يختبئ!
رفع أبي نظره إلي وابتسم!
ازدرت ريقي..
أنقذتني أمي بكوب الشاي و الكعك!
------
*في كتابه عن الحب والحياة
يتبع،،


 

السبت، 27 يوليو 2013

حطــــــام 2


ومَنْ يَكُ ذا فَمٍ مُرٍّ مَريضٍ ... يَجد مُرّاً به الماءَ الزُّلالا


طريق العودة ليس بأفضل من حال الصباح، على الرغم من هجري لطريق الأناكوندا في رحلة الإياب، هاهم يتزاحمون ويتجاوزون وينطلقون بجنون، مرت من جانبي سيارة هرمة تشق الشارع بصعوبة، إنها لشاب ياللمفارقة! شعرت بالأسى لنوافذ سيارته المشرعة لهذا الهواء المسفلت القادم من غياهب البحر المسجور، سحقا للفقر!
الزحام شديد هنا في شارع المطار، آه كالعادة حادث تصادم! يا إلهي سلم، عسى ان يكون حادثا بلا وفيات، أووو لا ياإلهي سأتأخر!
آآآه الصداع يكاد يفتك بي، دلفت حجرتي الباردة أخيرا، ألقيت السلام، كالعادة منهمك هو أمام التلفاز ولم يشعر بي!
أخذت دشا حارا، لا يقل حرارة عن مياه *عين الكسفة! منذ أن مدت أنابيب المياه تحت الأرض، احترقت جلودنا!
وأنا امسح الماء المسجور عن بشرتي المحمرة بالمنشفة.. تحرك مقبض الحمام، جفلت صارخة: أنا هنا أيها الأحمق!
جاءني ردا باردا: آه أهذه انتِ، متى عدتِ؟؟ 
غمغمت وأسناني تصدر صريرا: يرحم أمك!
ارتديت ملابسي في الحمام، عادة مكتسبة جديدة فرضت علي قسرا!
على أرضية الحجرة كان نائما على بطنه ببلاهة رافعا رأسه يتابع التلفاز، ياإلهي كالعادة بملابسه القذرة!
ارتفع صوتي: لماذا لم تستحم؟
رد ببرود: تعلمين ان المياه حارقة! سأستحم لاحقا!
لا فائدة من الجدل..هززت رأسي ..توجهت إلى السرير..
ألن تتغدي ؟
رق قلبي لاهتمامه... لا حبيبي لن اتغدى.. هل تناولت غداءك؟
رد علي بالانجليزية:! Sure
ابتسمت : وانا ألتحف ..كيف كان يومك في المدرسة؟
Great mom!
حسنا اخفض صوت التلفاز أريد أن أنام .
Ok sweetheart!
وبعث لي بقبلة في الهواء... فالتقطتها ووضعتها على قلبي! وأغمضت عيني بابتسامة ارتسمت على شفاهي الجافة! آآه رذاذ من السعادة  يهمي على سريري!

يتبع،،،،


الجمعة، 26 يوليو 2013

حــــطام 1!!

هرولت عقارب الساعة  بماراثون ابتزازي المستمر ..وساومني الرنين الصاخب...لفك رهن وسادتي الأثيرة.

صفعة تهوي ليختفي هذا الضجيج.. سقط المنبه أرضا متأثرا بالكف الصباحي المعتاد..
آه يوم روتيني آخر!

 





عينان لوزيتان متورمتان..وشفاه حبلى بالحكايا الصامتة..وشارع مسقط السريع.. قاتم وطويل..كأناكوندا خبيثة.. تطوق عنق أيامي.. مازالت رائحة الإسلفت..تعيث في سيارتي صداعا..ومازالت حرارته ملتصقة بإطاراتها التي ابتعتها أصلية من ذات الوكالة التي شمعت مؤخرا في قضية غش الإطارات..تبا لهذه المرآة وكأنها تجمدت على صورة هذا الشارع الحالك الذي ترتمي على أطرافه  بقايا إطارات!
فتحت المذياع.. ذات المذيعة التي تقرأ ذات الرسائل والتغريدات.. وذات الحكم المكررة والتصبيحات الرمادية.. وذات الأغاني الصاخبة على الريق! عرجت على إذاعة القرآن..ياإلهي..ذات الخطب الدينية! ألقمت السي دي للجهاز..استمعت لتلاوة عبدالباسط...هدأت نفسي قليلا.. كل شيء يجري في هذا الملكوت..الجبال و الأرصفة والأتربة والسماوات ...هاهي السيارات أيضا تتخطاني على عجل..لوحت برأسي بوجل، مساكين هؤلاء بين نيران الرادارات أو التأخر عن جهاز البصمة أو قدر كارثي غادر يحصد الأرواح المنهكة قبل بلوغ مناها !
أوقفت سيارتي ليتوقف معها تدفق تلك الغمامة السوداء من الهواجس، وصلت باكرة وحظيت بموقف لائق في مواقف تلك الوزارة..ترجلت..تفحصت إغلاق الأبواب بشكل آلي..دون تفكير..توجهت إلى جهاز البصمة وكبست الأزرار بميكانيكية عجيبه..لم أعد أحتاج وقتا لتذكرالأرقام..فأصابعي الطويلة خزنت الأرقام في أدمغة خلاياها!
هئنذا على لقاء سريع بذات المكتب، وكأنه عاشق مجنون يأبى مفارقتي، بدأت القيام بمهامي المعتادة،  كل شيء روتيني، أعمال رتيبة تخنق الحماس ، وتقتل الإبداع!
اعتدت الصمت، وأنا ألوك أفكاري وازدردها مع ريقي، بعدما أن هاجت مديرتي وماجت بي، إثر صراحتي ورغبتي في التغيير، فجاء لي بالوبال فقذفتني كأي مقعد بال! وألقت بي في غياهب دائرة أخرى بعيدة تبتلعني عن أفقها وعن مد بصرها! فاستوعبت الدرس جيدا!
أنا وصمتي وكوب الشاي الذي أتلمظه، فيخدش جدار صمتي قهقهات زميلاتي، لا حديث لهن سوى أزيائهن.. وأطفالهن وأطباقهن...ومرات أزواجهن...وأحذيتهن! أحاديث مكررة دون كلل، ونميمة لاذعة كالشطة، تضفي على المكتب نكهة لظى! فينظرن إلي رغبة في اشراكي في وليمتهن الصباحية من الثرثرة، فأبتسم وأهز رأسي إيجابا كعجوز بلغت من الشيب والحكمة عتيا!
كنت يوما ما مثلهن، صاخبة، ومرحة، ومعتدة بذكائي....فتهشمت! خانتني بوصلتي، وخذلني محيطي، وعاثت الرياح بشراع أيامي، وقذفت بي حيث الوحدة والخوف والصمت!  
يتبع،،،،