"يبصر
احدكم القذاة في عين اخيه وينسى الجذع في عين نفسه"
محمد عليه الصلاة والسلام
هكذا هو فضول الانسان لسبر اغوار ما حوله متناسيا ذاته!
حينما تعود بي الذاكرة الى الوراء..الى ايامي في الكلية .. كنت بصحبة ثلة
من الصديقات من مختلف المشارب والمذاهب.
جمعتنا الاخوة والمحبة واروقة التعليم الاكاديمي... كنا نمتاز جميعا
بتفوقنا الدراسي وسيرتنا الحسنة و بمحافظتنا على الصلوات.. فكنا ما ان يتنهي
"الكلاس" نتوجه الى المصلى المنزوي عن الكلية ونمشي المسافات والشمس
تلسعنا بلهيبها فنتوضأ..و نصطف جميعا باتجاه القبلة..ونسترسل في الفريضة رغم
اختلافنا في بعض التفاصيل.
كانت فلول الفضول تتسلل الي مثيرة الاستفهامات حول مذاهب صحيبات
الدراسة..فبدأت ادلف الى العم جوجل ابحث عن ماهية اختلافنا..وكان بعض صحيباتي يفعل
المثل اتجاهي!
وعندما قرأت بعض الفتاوي المجحفة المحسوبه على مذهبي...في حق هذه المذاهب
انتابني الحزن والحيرة!
كنت اصلي واستقبل القبلة بمعيتهن..وكلي اسى ان المولى رد عليهن صلواتهن
باستثنائي!
وكأني احد المبشرين العشرة بالجنة!! نعم هكذا بدأت خيوط لعنة التطرف الغبية
تحيك حجابا غليظا على عقلي!
وكأنني حصلت على صكوك النجاة! فكان همي كيف انقذ صحيباتي من النار..اية
خيبة في التفكير!
وهكذا تم غسل دماغي بفكرة الامر بالمعروف..وبدأت على خجل انثر بعض افكاري
لهن..ففوجئت باحداهن تفند ما اقوله..وهكذا اصبحنا اثنتين من اتجاهين مختلفين نحاول
فرض وصايتنا على بقية الشلة!
نختلف على حركات ظاهرية في الصلاة ..والتأمين ..وصلاة القصر..وهي في الاصل
امور فقهية خلافية!
ثم بدأنا ننبش التاريخ ونثير غبار فتن الاحداث السياسية في التاريخ
الاسلامي ومواقف اتباع المذاهب منها!
وكانت بقية الشلة تكتفي بمتابعة سجالاتنا ببلاهة...دون ان يحاولن ان يعرفن
سوى منا! وكم كانت دهشتهن عظيمة..عندما اثرنا خلافاتنا العقدية! نعم تطور بنا
الامر ان نتفلسف في امر الخلود والسراط والقرآن...ثم تمادينا في الغيبيات حتى
وصلنا الى صفات الله!
والله لو سألنا احدهم عن اركان وسنن الوضوء لألجمتنا
دهشة الجهل!
هكذا كنا نخوض مع الخائضين..
لكن وتيرة النقاش بدأت تحتد.. واشواك الخلاف النتنة وخزتنا ..بل جرحتنا وأدمت وشائج صحبتنا الوادعة! وكدنا نخسر بعضنا..عندما انتفخت الاوداج وتعصب
كل لرأيه ومذهبه!
فآثرنا الصمت! وأشغلت نفسي بهموم نفسي ..وكان قرارا طارئا ناجعا بامتياز..ومع مرور الوقت وحدة الصمت ذابت ثلوج الخصام وعادة حرارة المودة تكتنفنا وذهبت مرارة الكلمات مع شهد ضحكاتنا.. والحمد لله تم انقاذ صحبتنا من الغرق في اوحال التعصب الكريه ..وتشابكت ظلالنا معا .. نذاكر معا.. ونتشاطر افطارنا معا ونميمتنا ووشواشات الصبا واكواب الشاي.. ونصلي كعادتنا معا في ذات الدرب الحار بوهج الشمس..حتى تخرجنا!