روح البحث

الأربعاء، 27 فبراير 2013

وللنفس قداسة!


"أظن أنه في وقت من الأوقات كانت الزعامة تعني العضلات، أما الآن فهي تعني التجاوب مع الناس"
انديرا غاندي



على مضض طويت تلك الصفحة الباردة الموحشة كزمهرير ثلاجة حفظ جثث الموتى!
نعم لست من يقيّم الناس منذ اول وهلة لاطلق عليهم حكما مطلقا.. فآثرت ان امهل نفسي واهمل هواجس اللقاء الاول!
لكن ثمة تفاعل "كهروعاطفي"  يحتكّ في اثيراللقاء الاول! كصيحة الطفل الاولى بعد قدومه الى الوجود عبر رحلة شائقة وشاقه!
تنطبع تلك الصيحة في ذهن الام التي لتوها تخلصت من مخاض مميت!
 صيحة بطعم متشعب بالمشاعر المتنافرة ..سعادة وألم ووهن وتفاؤل ..لحظة تعانق الموت والحياة!
هكذا كان لقائي بها بعد رحلة كفاح ووهن وسنين عجاف من البطالة! لقاء حضّرته في عقلي آلاف المرات!
ممارسة لذيذة كل ليلة وانا اسلم هامتي الرومانسية للوسادة..وفي طقس وثني كهنوتي كاستحضار الارواح استحضر هذه اللحظة في كل مساء بتفاصيل مختلفة ولكن بريتم بهيج موحد! يالسذاجة عقولنا عندما تظن ان باب الامل اذا انفرج قليلا فانه يخبئ خلفه جنانا وارفة من النشوى والسعادة السرمدية!
الحياة كفاح.. ولن نتحصّل على شيء لنتمتع به الا وقد ذرفنا مقابله تعبا! هذا ما تعلمته لاحقا!
عندما دلفت اليها حضرة المسؤولة ..بدى لي استعراضها لعظمة كرسيها جليا! تحاشيت ذلك وبتركيز وثقة افصحت لها عن مواهبي ومهاراتي وثقافتي واطلاعي !
لم تعرذلك بالا..البتة..ولوحت لي اني في فترة تجربة!
اعتزمت ان ابدي لها مواهبي ..وليتني لم افعل!
 في ايام قليلة ثبتّ اواصر وجودي بسلاسة في تلك البيئة الجديدة علي..وكونت علاقات اجتماعية ناجحة ولويت الاعناق اتجاه هذه الموظفة الفائرة بالطموح والطاقة.
ومع احتكاكي معها (المسؤولة) اتضح لدي اني امام شخصية تشبهني الى حد كبير اهتمامات مشتركة وكاريزما وثقافة وفصاحة وطلاقة في اللسان  ..فأحببت ان اتخذها لي ايقونة!
انسجمت معها تناقشنا في اطر العمل وسيره ودورة البيروقراطية الرتيبة في اروقة الوزارات الحكومية..وآن اوان التجديد لخدمة الوطن!
ومرت الايام والشهور متسارعة.. وقلبي يحجز لها مساحات شاسعة في اكنافه! حتى جاء ذلك اليوم الذي اطاح بالقناع..واوضح مدى تهوري في نسج اكاليل الاعجاب حول وثن اختلقته بصفات ملائكية!
حينما عرضت عليها عن طموحي في الانتقال الى دائرة اخرى تتسق مع مهاراتي..فأبدت سعادة غير عادية..ومضت تفند حماستها بتقليلها من شأني في دائرتها وبنعتي بالحلقة الاضعف ناسفة كل مهاراتي وايجابياتي التي يوما اشارت هي اليها باعجاب ذات اجتماع!
انتقاد قلة مهارة في جانب ما ..ليس سوءا اذا وضعت المزايا المقابلة في عين الاعتبار!
والانتقاد لا يؤثر على الشخص الذي يربو على كم من الوعي والثقافة والثقة بل هي هدية ثمينة لتصحيح المسار كما صدح بها الفاروق قبل 14 قرنا "رحم الله امرئ اهدى الي عيوبي"!
فالانتقاد احيانا يكون ضئيلا بحجم قائله الذي ليس على قدر كبير من الوعي وربما قالها بسبب احساسه بالضعف او عن حسد ..فتكون محدودة التأثير كذبابة هششت بها عن وجهك ذات نهار..فراحت بعد ازيز عابر.
متى يكون النقد هادما..عندما يتجاوز فيافي السلوك قافزا الى كنوز الذات!
عندما يكون عاما ..وليس خاصا.. انت  فاشل.
عندما يتجاوز محيطك بمقارنة مجحفة مع موظفين لديهم خبرات.. وانت الجديد المحدود الخبرات!
وعندما يكون من شخص يعي تماما ما يقول.. مناقضا ذاته وكاسرا الحيادية لتطفو مشاعر قلبية شخصية لا تمت الى الموضوعية!
يكون تأثير النقد رهيبا على النفس اذا جاء من قدوة يحظى بمكانة قلبية لدى الطرف الاخر!
لم تهتز ثقتي قيد انملة بل على العكس .. شعرت بزهو لوهلة..فقد صدقت فراسة اللقاء الاول..وعززها بعض الومضات من تعاملها معي بالذات مقارنة مع الاغيار ..ولكني كنت حالمة رومانسية اذ ظننت اني قد اكتسبت اعجابها  بعد بعض الاجتماعات والاعمال التي ابرزتني وتجاوزت باسمي الى المدير العام واروقة اخرى من الوزارة والانكى بشهادتها!
لكن الحزن استبد بي اثر تلك الطعنة  التي تلقاها حسن ظني وسلامة صدري .. وتمزقت اواصر الاعجاب التي مددتها من حنايا عقلي ..لقد خابت اماني قلبي  وتحطم الصنم وتهشمت الايقونة التي اردت فعلا محاكاتها او التي فعلا تأثرت بها وتماهيت بحيويتها واخلاصها في العمل ! وهذا ليس لها ذنب فيه..فالخطأ خطئي..اذ تناسيت اننا في النهاية بشر!
بهتت هالة الحماسة التي كانت ترافقني وانحسر مد صخبي وسجالاتي اللطيفة مع زملائي..فتساءل الزملاء عن ظلام الصمت الذي يخيم على مكتبي! وعن غمامة الحزن المستوطنة مقلتي!
ما اروع قلوبهم!
كم هي مريرة احاسيس الغبن! وكم هي مقيتة هواجس التعرض للظلم لغاية دفينة في قلب المسؤول!
واليوم وانا خارجة من اجتماع موظفي الدائرة وانا اتأهب للملمة الساعات الاخيرة التي تجمعني بهذه الدائرة التي بلا شك صقلتني وجمعتني بثلة مميزة من البشر والصديقات!
همس احد الزملاء باعجاب لقد وصلت الرسالة يا باسمة!
فسري عن قلبي واشتعلت جدوة الحبور في قلبي..نعم حل السلام على روحي اخيرا بعدما ذرفت الحسرة المكتومة في صدري .. وعرّضت لموضوع النقد الايجابي الذي يركز على بؤرة السلوك والاداء لا يتجاوزهما الى دهاليز النفس البشرية المكرمة! 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق