روح البحث

الاثنين، 2 يونيو 2014

تو كَيـــــــا !!!


*تُو كَيَا؟
تُو مَنَا نَزَانَى؟
إِنّا! تُوكَيَا؟


هكذا غادرتني لغتي التي تمسكت بها فجأة لتحل محلها اللغة التي غادرتها برغبتي لأجدني ألهج بها  بعد أن أفقت من غيبوبتي كما حدثتني أمي لاحقا!
حمى شديدة أنستني تلك الأحاسيس وذلك العهد الذي اتخذته على نفسي بألا اتحدث باللغة البلوشية.. وإن حدثاني والدي سأرد عليهما باللغة العربية والعين بالعين!
كان ذلك منذ زمن عندما كنت مازلت في مراحلي الابتدائية في المدرسة في الثمانينات ( ولا داعي عزيزي القارئ الفطن ان تستخلص عمري)J
اذكر تماما عندما سخرت زميلتي في الصف مني عندما جئت أناديها فقلت لها : جهوشا**!
وشعرت كأني التي قبض عليها متلبسة بالاختلاف! فقد أصبحت مادة دسمة لضحك الزميلات علي! شعرت بالعزلة والحرج لتصيد زميلات الصف كلماتي البلوشية العفوية في وتيرة حواراتي معهن!
وكان ذلك نفس شعور شقيقاتي الصغيرات ونفس معاناتهن في المدرسة.. فأخذنا على انفسنا ذلك العهد ألا نتحاور معا بهذه اللغة التي توقعنا في الحرج والعزلة والاستهانة!
وفعلا تمّ لنا ذلك.. وعندما انحسرت الحمى عن جسدي الصغير.. عاد إلي الوعي لأعود الى عهدي الذي نكثته لحظة غيبوبة.
في منتصف التسعينيات تقريبا.. عندما كنت في مراحلي الثانوية اقتطفت ذلك المقال الذي يثبت نسب البلوش للعرب. واخذته بفرح لمعلمتي الاردنية التي تدرسني اللغة العربية وقلت لها: انظري أبلى
فنظرت بهزء وقالت: لو تنطبق السماء على الارض لن يكون هؤلاء عربا!
لم تكن معلمتي التي لا تجيد تقطيع الابيات الشعرية عروضيا.. والتي كانت تستعين بأشطر طالبة عندها والتي هي( أنا) تعلم أنني من هؤلاء القوم!
امتقع وجهي وشعرت بصدمة شديدة فجاءت زميلتي التي تحمل القبيلة البلوشية لتطبطب على نفسيتي لتقول لي: لا تهتمي فنحن عرب غصبا عن أنفها.. سواء اعترفت ام لم تعترف.. وجاءت صديقتي المعولية لتؤكد كلام صديقتي.. فثرت غضبا وقلت: لماذا نستميت لكي نكون عربا! من هم العرب! ماهو موقعهم الآن بين الأمم.. فلسطين المغتصبة و تخلف وبداوة وجلافة لا اختراعات ولا مصنفات ولا علماء! لماذا نستميت ان نكون منهم..لماذا نحمل بين اضلعنا همومهم وقضاياهم.. لماذا نهتم بوحدتهم ونهضتهم هم بكل بساطة يعاملوننا كوافدين وهنود!
نظر طالبات الصف الي من بينهن لبنى الاردنية وهبة المصرية ولم ينبسوا ببنت شفه!
كان ذلك آخر انهيار بالنسبة لي، فلم أعد أهتم أن أثبت نقاء دمائي ولغتي ومذهبي ونواياي في سجالات الكلية وكنت انسحب من أي حديث إثني!
لم ادرك سوى مؤخرا أنني أنعم في قلبي بعدة ثقافات وأحمل في صدري عدة مدن عريقة وتاريخا (لا يهمني إن كان ناصعا او لا) لكنه امتداد في هذا الكون! لم أدرك أن تحدثي في طفولتي بلغتين اسهمت بسهولة التقاطي لغات اخرى وثقافات اخرى وقراءات اخرى وتقاطعات أكبر مع بني البشر!

حتى جاء مسؤولَين الى مكتبي فنظرا الى الكتاب الذي أقرأه حاليا القومية البلوشية وأصولها وسألاني عدة أسئلة عن الكتاب..وللحديث شجون فتطرقنا الى اللغات المتحدث بها في سلطنتي كالكمزارية والسواحلية والجبالية والبلوشية..ثم تطرق الحديث لأحداث تغريدة د.صالح المسكري الذي استخدم كلمة وافدين للبلوش واللواتيا، والتي اعتذر عنها فيما بعد..


 وتبين لي من خلال حديثهما ان الموضوع حمل أكثر مما ينبغي، وان الدكتور لم يخطئ واستخدم احد المسؤولين كلمة مرتزقة وجنود وآلبوسعيد ...الخ!
وتشعب الحديث حتى قال لي احدهما:ولكنك almost عمانية!
ضحك المسؤول الآخر بشدة على كلمة almost!
مما أعادني مجددا الى ذات الاحاسيس.. مازلت لست عمانية /عربية 100% وأحمل في دمي تاريخا مطموسا من مناهجنا الدراسية وينعت بالمرتزقة والوافدين!!!
يبدو أن عهد الطفولة يقتص مني الآن تبا!
________________________________
* من أنت؟
ألا تعرفيني؟
لا.. من أنت! (الحمى أفقدتني ذاكرتي ولغتي مؤقتا)!

** جهوشا: بالجيم المصرية تعني أقول

هناك 5 تعليقات:

  1. منى بانُكـ، أفضل نتيجة لعملي الدؤوب طوال أشهور طويلة في ترجمة هذا الكتاب قد ظهرت من بين كلماتك، وكأن لسان الحال واحد، فقد مررت بهذه التجارب، وأعتقد كل بلوشي من الجيل الثاني والثالث قد مر بها. كلماتك قد أصابتني بمقتل حقاً، وأردتني في حضن جدتي التي نهلت منها اللغة بعدما تشربت بالضاد والدونية معها. أشد على يديك وأرجوا أن تكون بداية التعرف على الذات مرة أخرى وتكوين هوية صادقة مع جميع مكوناتك الثقافية، وأن تكوني منارة للآخرين ممن يمرون بذات التجربة المريرة، ويكون النور البلوشي فياضاً في قلمك.

    ردحذف
  2. أزال المؤلف هذا التعليق.

    ردحذف
  3. في اعتقادي ان الامر ليس في كون البلوش عربا ام لا .. بل هو نوع من الكيد الرخيص الذي يحاول قليلوا الحيلة اتباعه لكسر المرء الذين يرونه متفوقا عليهم . فإن لم تكن بلوشيا فانت زنجباريا.. أو عمانيا قحيا .. او بدويا .. إنها حماقات التمايز الرخيصة التي أبت ان تفارقنا منذ المجتمع الجاهلي ..
    برأيي ان المحظوظ منا والذي أنعم عليه الخالق بتعددية ثقافية عليه ان يفخر بتعدديته الثقافية ويعيشها جميعها دون ان يسمح لجانب منها الطغيان على الآخرى ودون ان يسمح للآخرين كسره بحيلة رخيصة ..
    الانسان المتعدد الثقافات قادر أكثر على العطاء والتعلم والارتقاء ..تماما كالشمس التي تتفاعل عناصرها لتصنع ذلك النور الذي يضيئ جنبات الكون وتسهم في إثراء الحياة بدفئها وطاقتها ..

    فلتكوني شمسا مضيئة ولا تسمحي لأي كوكب مظلم الاقتراب منك ليسرق لحظة مجد زائفة ..

    دمت بود ،،،

    ردحذف