روح البحث

الاثنين، 3 نوفمبر 2014

خوارق اللاشعور



انهيت الكتاب صباح الامس وتركته يختمر في مخي.. حتى اكتب عنه من اللاشعور الذي يشدد الدكتور علي الوردي على أهميته..ولكن بلا شك لم يغنني ذلك من التحضير.
والان هئنذي امام لوحة المفاتيح استرجع ما ظللت من الكتاب وما استوقفني منه.. وهو كثير.. ولكن سأحاول التلخيص.



يبدأ الكتاب بتحذير مستفز يطالب المنعمون بالرفاهية والأغرار بالابتعاد عن الكتاب لانه سيضرهم.. بل الكتاب مخصوص لمن صقلتهم الحياة بمشاكلها وبمحنها!
ثم تبدأ المقدمة التي توضح للقارئ الجهد والزمن الذين استنفدهما الكاتب للخروج بهذا الكتاب الشيق.
هايلايت:
"وقد وجدت نفسي أخيرا اضعف في معركة الحياة وأقل نجاحا من اولئك المسترسلين الذين كانوا يسيرون على طبيعتهم من غير تكلف او حرص او جهد كبير"!
"ان العقل الباطن يحتوي على منجم من الذهب وكومة من الاقذار" مايرز
الفصل الاول: الإطار الفكري
اختلاف الناس في أذواقهم وآرائهم شيء فطري وطبيعي لكن الشاذ هو الاقتتال من اجل هذه الفروقات!
يذكر الوردي مثالا ان كتابا قد يقرأه احدهم فيبالغ في مدحه ثم يأتي آخر فيبالغ في ذمه وتسخيفه!

هايلايت
"إن الإطار الفكري الذي ينظر الإنسان من خلاله إلى الكون مؤلف جزؤه الأكبر من المصطلحات والمألوفات والمفترضات التي يوحي بها المجتمع إليه ويغرزها في أعماق عقله الباطن .. والإنسان إذاً متأثر بها من حيث لا يشعر فهو حين ينظر إلى ما حوله لا يدرك أن نظرته مقيدة محدودة وكل يقينه أنه حر في تفكيره وهنا يكمن الخطر فهو لا يكاد يرى أحدا يخالفه في رأيه حتى يثور غاضبا ويتحفز للاعتداء عليه وهو عندما يتعدى على المخالف له بالرأي لا يعد ذلك شيئا ولا ظلما إذ هو يعتقد أنه يجاهد في سبيل الحقيقة ويكافح ضد الباطل"
الفصل الثاني: المنطق الارسطوطاليسي
ذم الوردي المنطق الارسطوطاليسي الحدي الذي يحاكم الواقع والحقائق النسبية بأسلوب قاطع. فهذا المنطق منهج وعظي بامتياز. وهنا يشدد الوردي على الارتجال والسجية سواء في الكتابة والخطابة وذم الحرص على الوعي والتحضير على حساب اللاشعور.
الفصل الثالث: النجاح والارادة
هنا يقلل الوردي من مسالة الاجتهاد والعصف الذهني والبدني للوصول الى غاية ما مالم تكن وراءها قناعة في اللاشعور.
وانتقد من يحاول التقليد والتكلف كالكتاب الذين يقلدون طه حسين فيخرجون بكتابات باهتة حسب وجهة نظره.
هايلايت:
"إذا سيطرت فكرة على شخص بحيث أصبحت متغلغلة في أغوار عقله الباطن ،فإن كل الجهود الواعية التي يبذلها ذلك الشخص في مخالفة تلك الفكرة تؤدي إلى عكس النتيجة التي كان يبتغيها منها ".
الفصل الرابع: خوارق اللاشعور
يستحضر الوردي لنماذج وامثلة خارقة وكيف ان ايمان الانسان وافكاره الكامنة وملكاته قد تظهر وتختفي دون تدخل من الانسان نفسه.
الفصل الخامس: النفس والمادة
يوضح الوردي في هذا الفصل مدى تأثير الفكر على البدن والعكس، فالانسان ان احس بالخجل توردت وجنتاه، وان تناول مسكرا ذهب عقله وفكره!
هايلايت
"ان توقع الخيبة لا يجلب الخيبة دائما ولكنه يزيد عادة ف معدل ظهورها".
"ان صاحب العقلية المدنية هو في العادة اكثر حكمة وتبصرا وقة اموره من الفطري. هذا ولكن تشككه وتردده وقلقه يجعله اضعف منه في مواجهة المشاكل"
الخلاصة:
هنا اسجل ما فهمت واستخلصت من الكتاب.. حيث لاحظت منذ بداية الكتاب تهيب وربما تيقن الكاتب أن أفكاره ستقابل بالاستهزاء والرفض لذا تجد لهجة شديدة أو تجاهل شديد في أحايين اخرى للمخالفين!
ما فهمته من الكتاب.. ان الانسان محاط باطار فكري غير محسوس نظرا لما تغلغل في نفسه من تجارب وقيم و ربما عُقَد.. فاللاشعور ليس معينا صافيا.. بل يحمل الاكدار لذلك قد يخرج الانسان عن سلوكه السوي في لحظة ما استفزت مشاعره.
احببت فكرة وجود الاختلاف وعدم الاقتتال على هذه الفروقات فكل انسان ينظر بمعاييره وقيمه لكل حدث يشهده. وهذه ميزة الانسان المتدمدن والمثقف عكس المسيرون تحت توجيهات لا يتخطونها.
"ينبغي ان نميز بين المتعلم والمثقف فالمتعلم هو من تعلم امورا لم تخرج عن نطاق الاطار الفكري الذي اعتاد عليه منذ صغره اما المثقف فهو يمتاز بمرونة رأيه وباستعداده لتلقي كل فكرة جديدة وللاتأمل فيها ولتملي الصواب منها"
فهذا يعني انه كلما كان الانسان يتمتع بنفس صافية وعقد نفسية أقل فإنه سيتمتع بخوارق اللاشعور، كالتنبؤ بالمستقبل او المرائي التي تتحقق او الفراسة وهذا ما يسهل عليه الوصول الى مراتب عالية في مجتمعه! ولعلنا نضيف الكاريزما والذكاء العاطفي من ضمن ملكات اللاشعور.
يشدد الوردي اتساق الانسان مع سجيته وصوته الداخلي وعدم محاربة كوامن نفسه وايمانياته.. رغم انه اظهر امثلة مدهشة من ايمانيات وتجارب كانت ساذجة ولكن جاءت بنتيجة كالتميمة التي جعلت صاحبها يتعافى ثم اكتشف ان التميمة تحوي على شتائم لاذعة!
الايمانيات كلما اشتدت في النفس حركته باتجاهها.. لذلك على الانسان الاستماع الى شعوره..
في الحقيقة الكتاب اعطانا رؤوس افكار وقضايا وتجارب امشاج مم جعلت الفكرة ضبابية بالنسبة لي كفارئة.. فهذا اللاشعور المطلوب منا الاستماع اليه ليس ناصعا صافيا!
كما ان هذه الملكات ان ظهرت فليس بأيدينا التحكم في مسارها فهي تطفو تغرق دون تحكم منا!
كما ان فكرة السجية التي شدد عليها الوردي سواء في الكتابة او الخطابة هي فكرة غير مقنعة فالانسان الذي يحترم متابعيه سواء كانوا مستمعين ام قراء يتوجب عليه التحضير والاعداد جيدا دون اغفال اللاشعور .

ذكر الوردي ان مبدأ من جد وجد هو مبدأ ساذج يتجاهل قدرات الانسان المدهشة، فذكر امثلة لاستغلال بعض الشخصيات لملكاتهم كوليم جبس الذي كان يضع ورقة وقلما عند رأسه لتدوين احلامه التي كثيرا ما جاءت له بحلول لمشاكل كثيرة.
كما كان ابن سينا اذا صعبت عليه مشكلة توضأ وصلى ثم ينام فيرى حل المعضلة في الحلم.
وعن دعاء الحالومية التي كان ابن خلدون يتبرك بها رغم انها كانت بكلمات اعجمية لا تفهم!
الا ان الوردي اشاد بمبدأ اجتهاد النبي عليه السلام في الدعاء لأمته قبل خوض الحرب والتكتيك له.
كل انسان عليه ان يكتشف مكامن ايمانه واستثمارها بالطرية الفضلى لمساره الحياتي وترقيه.
الكتاب في مجمله رائع وجذاب ولغته العلمية قريبة للافهام وسلسة.. وهذا ما يتميز به الدكتور علي الوردي رحمه الله.



الكتاب مادة غزيرة للاقتباس



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق