روح البحث

الثلاثاء، 28 مايو 2013

عيدان الريحان!

القبور أيضا تموت.....بالنسيان!
واسيني الأعرج





كان مساء مكفهرا بالصمت.. عندما دلفتُ المقبرة... الوحشة تلقي بظلالها الكئيبة على أرض البرزخ. هنا معبر الأرواح..ومنفى الأجساد. هذا المدفن هو صفعة لكل مغتر بعنفوان الحياة.. على يميني قبور صغيرة لأطفال سوتها الأزمان بالأرض .. وعلى شمالي تخالطت الأجساد والأعمار والأجناس..هنا قبر جدتي وجدي..وهنالك ابنة عمي الشابة..وهذا قبر ذلك الجار الشاب.. اشتبكت الحظوظ كما تداخلت الأقدار أيام ميلادهم .. منهم من لم ينعم إلا بالنزر اليسير من نبع الحياة..ومنهم من طال به العمر حتى تاق الرحيل!
 ألقيت السلام على أهل القبورهمسا..  هئنذا انتصب كخشبة مسنّدة على الوهن.. هاهي ذي أنا أمام قبرك الذي عاثت به السنون طمسا! منذ متى لم آتِ إلى هنا؟؟
ماعدت أذكر.. اندثر  كل شيء حتى عيدان الرياحين الجافة غاضت مع ملامح قبرك! مر زمن طويل بلا شك.. لولا قطعة الرخام التي تحمل اسمك وآيات الموت التي تنتصب كشاهد عند مفرق قبرك...لأنكرتك..وأنكرت موتك...كما ألفت غيابك.. يالها من مفارقة كمفارقة النور والظلام..والحياة والموت.
انحنيت أسوي التراب على قبرك المطموس..علني أفلح في اعادة شيء من تضاريسه السابقة.. التربة صلدة وساخنة  بالسكون لا تطاوع أصابعي المثخنة بالجزع..أحاول جمع حفنة ولا أفلح..همس في روعي صوتك..وكأنك تتأملني في مرقدك السرمدي...لاداعي ياحبيبة القلب .. لا تجرحي أناملك الحريرية..فهنا المفاهيم تختلف!
أواه يا مهجتاه ..أتعاتبني على قلة عنايتي بقبرك..أم قلة تعهدي بك قبيل رحيلك!
هطلت دموعي  بكثافة على هذا الخاطر الأرعن...من أين جاءت كل هذه الدموع !
وكأني ما بكيتك دهرا!
هل تغفر لي غضبي منك..هل تدرك أنه كان حبا لك واشفاقا عليك من نفسك! ولكن هل غفر لك قلبي بعد أن أثكلته بعنادك!
طفت بسمة على شفتي..ههه نعم مازلت عنيدة  وسليطة اللسان كما تركتني حبيبي .
انسدل خماري..ليداعب النسيم خصيلاتي التي كانت أصابعك تمسدها  ذات حياة..
هاجس آخر داهمني...أصلحت خماري على الفور..نعم أدرك أنك غيور حتى في حفرتك ولا ترغب بجيران الموت من مطالعة حبك!
سأقطف لك بعض الرياحين ..لم أنسَ قط حبك للرياحين..أتذْكُر حين كنت آتيك لأنثر على قبرك الفاتحة وحفنة من دعاء مكلوم.. وأغرس عيدان الريحان على قبرك وأشيعك بدمعي وأمضي. لعنني البعض ونعتني بزوّارة الأضرحة..لم أهتم قط..تعرفني عنيدة أمام قناعاتي و سطوة حريق أشواقي اليك.. أيحرقني  الرب  مرتين؟ ما أبأسهم عندما يلوحون بمفاتيح الجنان وكأنها ملك أيمانهم!  لقد هشموا شاهد قبر ابنة عمي وبضع قبور اخرى  باسم الرب ..سحقا حتى الأموات لم يسلموا منهم!! ههه كم أنت محظوظ أن معاولهم لم تصلك ...ههه  نعم مازلت ثرثارة ..ولكن فقط معك.. بهتت رغبتي بكل شيء ! منذ رحيلك أقام الحزن خيامه في مقلتي!  وسيظل قلبي نابضا بالدعاء لك.
هئنذا أغادر المقبرة مخلفة ورائي قبرا متهالكا تترنح عليه بضع رياحين مبللة بالدمع وبقايا دعاء وذاكرة تنهار!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق