روح البحث

الأحد، 28 فبراير 2016

أتدري!!



وانا اطالع السماء الزرقاء المزدانة بتكتلات سحاب غير منتظمة، دخان ابيض مازال متمسكا ببعض خيوط الشفق الارجوانية.
 وانا اعاين هذه اللوحة السريالية الالهية، وهذا الهدوء الذي يكتنف المكان في حالة اقرب الى الخشوع..
ما اسرع ما تتبدل الاحوال، فبالأمس كان المكان يعج بالسيارات والمارة والمتفرجين على الحريق الذي اندلع في مجمع الكهرباء الخاص بالمبنى الذي نعمل فيه، وذلك الهلع والجزع الذي رافق اصوات الزميلات.
 اتدري مالذي فعلته، ذهبت لأتحقق من اغلاق جميع مكابس الكهرباء، ولم اهرب من المبنى كبقية زميلاتي اللواتي استجبن لصراخ زميلنا المفجوع!
نعم مفجوع فلا شيء يستدعي القلق، انفجار 3 مجمعات في آن واحد على نفس الشارع، وانطلاق الشرر  من عمود الكهرباء المقابل لنا،، ليس بالامر الخطير..
الا تصدقني، اذن ما رايك اننا لم نغادر المبنى بل جلسنا الى اقتراب موعد البصمة رغم تعطل الجهاز، وبالرغم من أنف حتف الكهرباء والشبكة في المبنى والمباني المجاورة بل في الاحياء المجاورة اتممنا يومنا في العمل باخلاص المؤمنين وشهداء الواجب كما ينعت الاعلام العربي قتلاهم!

اتدري خرجت الى البلكونة لاتفرج بدوري على المتفرجين علينا! العين بالعين! اليس هذا موروث جيني عربي يجري في دمائنا التي تجري فيها الشياطين ايضا!

الشياطين النارية التي رفضت السجود لأبينا الطيني، وتعالت كالدخان على الامر الالهي الذي اوقعهم واوقعنا في الوبال!
هل يمكننا ان نقول ليته لم تكن هناك دعوة للسجود من الاساس!
استغفر الله!
ماذا لو عشنا نحن واخواننا المخلوقات الدخانية في جنة النعيم!!
لك ان تتخيل الحور العين...
وسأتخيل الغلمان!
استغفر الله!

 ذلك الدخان المحمل بروائح الاسلاك المتفحمة.. مشهد تراجيدي كانت تنقصه الموسيقى التصويرية، لقد كنا نحن الحدث وقلبه،، وهو ما ذكرني بما كتبته لك عن الشاي الممزوج بالدخان...
لقد كان بالفعل يوما رماديا !
لم يرن جرس الانذار، ولم يتم اخلاء المبنى كعادة المباني المفترض انها تنتمي للحكومة، فنحن هنا لسنا من رعايا العاصمة المقدسة.
 كنت اتأمل قائد الكتيبة الذي وقف مذهولا لا ينبس بشيء، بينما انطلق اثنان من الزملاء الى مطفأة الحريق.. وتطويق النار المتمردة، لم نسمع صوت الاسعاف الذي غالبا ما يأتي مع هكذا مشاهد.. لاننا في فيلم محلي... بالتأكيد.. كما لم نشاهد سيارة مطافيء!! كما لم يقع ضحايا لله الحمد!
ولان النار التي اندلعت خارج المبنى قد تم اخمادها بسرعة مذهلة،، لكنه حب التهويل المغروس في الشعوب اليس كذلك!
في مثل هذه المواقف تظهر انماط البشر دون رتوش، الفدائيون الذين حرصوا على اخماد النار باي شكل، العمال الاسيويين الذين تجولوا في المبنى ببلادتهم المعتادة، بحثا عن المطفأة الاخرى، وذلك القائد الذاهل.. بينما انطلق بعض الزملاء في تحريك السيارات ومنها سيارات بعض الزميلات بعيدا عن موقع النار، كما ظل بعض الزملاء يبتلعون ذهولهم وحيرتهم لا يلوون على شيء!!
لقد رأيت تلك الزميلة تولول وتلطم فور سماعنا صوت الانفجار واهتزاز المبنى، بينما احداهن اخذت تتأمل الحرائق المندلعة وهي تحلل مواقعها بوجه جامد لا يتناسب مع الحدث، بينما انطلق البعض الى البلكونة وكنت منهن لمشاهدة ما يحدث، بينما فر البعض الى خارج المبنى غير آبهات بتجمع المارة والفرجة المجانية التي حظي بها سكان المنطقة!

وامضينا جل وقتنا في المكتب نتبادل احاديث اللهب ونقل مشاهداتنا، ثم ما لبث ان انضم الينا الزميلات الهاربات محاولات عدم ابتلاع تلك الادخنة والروائح العطنة التي احتلت مكاتبنا وملابسنا!!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق