روح البحث

الأحد، 16 مارس 2014

حطـــام 22 (النهاية)

شفتاي يشققهما الجفاف
أقضي الليلة أنتظر قصيدة رطبة..
خميس قلم


كانت خرائط طقسي تشير إلى تكون غيمة محملة بالحب..على تخوم قلبي المتصحر، فأدارت رياح الأقدار وجهتها.. حاملة مطرك إلى قِبلة أخرى.. لتحاصرني أشباح وزوابع السموم اللاهبة..المحملة بالدموع والتراب.. آآآه.. حسرات حقل يلاحق غيمته!
سقطتُ من قلبك.. موج هادر يجلد ظهر وحدتي! هئنذي كما كنت بالارتباك نفسه.. أمام هذا البحر! مازلت تلك المترددة، تلك الخنساء المتلذذة بندب أقدارها!
هل فقدته؟ تأوه يمزق رئتي!
أيكون هذا قدرنا.. أن نفترق بشجار كما التقينا ذات شجار! لم أكد أتجاوز فرحة تلك المفاجأة المدهشة.. حتى أتلقى صدمة انسحابهما من حياتي!
 تركي هو ذاته صديقي الافتراضي أبو الأيهم الذي كنت أبثه همومي، الذي داعب قلبي بتلك العبارة " لو لم اصطدم بها لوقعت في غرامك" . وكنت المعنية في الحالتين! أليس هذا ضرب من ضروب الرومانسية المجنونة.. أن يقع شخص في حبك مرتين!
رحل تركي وأبو الأيهم من حياتي في آن .. فقدت الحب والصداقة.. وحيدة أنا .. كما كنت... ثقب قلبي!
ومضت تلك الذكرى العزيزة.. عندما كنت منكفئة على مكتب زميلتي..  أبحث عن بعض الأوراق.. فإذا بصوت غاضب يتساءل بفظاظة عن معاملة ما.. رفعت رأسي إليه، شاب ثلاثيني، حليق، مهندم، عطره يسابق خطواته، معتدل الطول، ذو جسد رياضي ، حنطاوي البشرة، ذو عينين مشاكستين، وشخصية آسرة!
- عفوك.. أين تلك..ما اسمها.. آه غالية التي تتابع معاملتي!
ابتسمت: غالية في إجازة..هل أنت الأخ تركي؟
-        نعم
-        لقد اتصلت بي كي أتابع موضوعك..هاهي معاملتك أستاذ.. أمهلني بعض الدقائق لأختمها لك !
-        رائع فعلا هي في إجازة ومعاملتي لم تنتهي بعد.. أي إنجاز هذا؟
-        طب نفسا أستاذ دقيقتان فقط ريثما تنتهي من قهوتك ستكون معاملتك أمامك.
-        لا أريد قهوة وإنما معاملتي.. أتفهمين؟
هنا استبد بي الغضب: نعم أفهم جيدا.. ياسيد لست بليدة أبدا!
لم انتظر رده... ذهبت وعيناي تتقدان شررا، وأنا أغمغم: كل من يرى الناس بعين طبعه!
هو مندهشا: ول ول ول !
عدت إليه لأجد تقاسيمه قد تغيرت تماما.. ذلك الفظ أصبح شخصا لطيفا للغاية..
-        تفضل معاملتك انتهت
ابتسم: شكرا، سمعت أن القهوة هنا لذيذة.. هل ممكن فنجان ؟
-        نعم!
تلعثم: شاي.. لا مشكلة أو حتى كأس ماء!
***
ومن هنا بدأت سلسلة مشاغباته.. والتذرع بأسباب واهية للقائي.. كنت ألحظ اهتمامه بصمت وبلا مبالاة. وفي احدى زياراته ترك رقمه على مكتبي، وغادر، فمزقته! فاستطاع تمزيق الحدود بيننا بقبلة مباغتة وسمها على بشرتي.. وتشربتها روحي.. فأيقظت حواسي!
≈≈≈≈≈

آآه لم يفهمني تركي.. أن الصمت نديمي الأزلي.. لم يفهم أني عشت دهرا ألوك مرارتي بسكون. لم يفهم أني تعبت من التنازلات.. إلا فراس.. إلا بضعة قلبي.
 كان تركي ذلك الفارس المعتق بالفكر الرومانسي ومن اولئك المؤمنين القلائل بالحب الذي يصنع المعجزات، فصدم أن أميرة قلبه المترعة بثقافة الطبقة الوسطى.. يتغلغل في عقلها فكر المدرسة الواقعية وتعتبر الحب فيتامين للحياة وحسب وليس كل الحياة!

ياإلهي كيف أواجه أبي الذي قد قام بدعوة أشقائه لعقد قراني.. وفراس ألن يحمل نفسه ذنبي! آآه ..وأمي التي تعلم مدى تعلقي بتركي.. ومديرتي الآنسة منشن.. ستعاملني كصعلوكة مجددا!
كيف أعود الآن إلى وحدتي؟
رن جوالي أجبت على المكالمة دون النظر إلى الرقم ..معتقدة أنه هو:
-         ألو
-        سلمى!
-        أجل أنا سلمى..
-        أنا مليكة هل تذكريني شقيقة تركي !
-        أجل أذكركِ!
-        أردت أن أخبرك أن أحوال تركي هذه الأيام لا تسر.. أصبح عصبيا جدا!
-        أسمعكِ..
-        كل ما أريد توضيحه لك.. أن مزاجه أصبح مرتهنا بك..أخي شخص غارق في الرومانسية .. شبق.. متعلق.. شديد الوفاء.. ولم نتخيل أنه سيقع في الحب مجددا وسيرغب في الزواج بعد رحيل إيمان.
دموعي تسح على خدي بخشوع..
-        أرجوك سلمى افهمي.. هذا الرجل لن يدخر وسعا في إسعادك.. هو شخص حنون ومحب وكريم.. وللعلم  كل فتيات العائلة كن رهينات إشارة منه وعلى استعداد بالارتباط به.. ولكنه اختار ما اختار نبضه.. وقلبه لا ينبض بسهولة لأي فتاة.. فهو لديه معايير لشريكة قلبه.. ستقولين لماذا أحدثك بكل هذا الآن..
تهدج صوتها: لأني أراه حزينا.. ولا احتمل حزنه.. كفاه ما عاشه بعد رحيل زوجته.. تركي  يده بيضاء كقلبه يا سلمى.. لن انسى وقفاته معي.. لذلك أردت إخبارك بذلك أرجو أن يكون حديثنا سرا بيننا.. عاهديني أن تحافظي على قلب شقيقي.
انتهت المكالمة بدموع كثيفة! لقد خذلته يا مليكة وخذلت نفسي.. غادرني موسم الحب... ليهطل علي ظلام الحزن وفصل البكاء.

أمام البحر الهادر..وقد ضرب الظلام أوتاده.. خيال امرأة تضم جسدها إليها وهي في نشيج وبكاء!
يد حانية تتحسس كتفها وصوت رخيم يهمس: آسف جدا على مابدر منّي!
جلس بجانبها وهي مطوقة ركبتيها إليها.. ألصق كتفه بكتفها.. مد يده الدافئة إلى يدها الشاحبة.. التمع الخاتم.. لثم يدها.. فأحست بحرارة دموعه!
نظرت إلى وجهه الحزين..
-        تركي!
-        أحبك أيتها الكئيبة.. أحبك حطام!
ابتسمت.. طوّقها بذراعه.. انتحبت على صدره!

سماء باردة .. بنجوم بيضاء كالثلج .. وبحر يمارس غيّه على شاطئ احتمى به شخصان متعانقان ..هي تبكي وتبكي.. وهو يرتب على رأسها هامسا: أنا معك حبيبتي .. لا تخشي شيئا أبدا!



 انتهى.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق