هممم... في طفولتي
...كان ذلك الحضور لتلك المراسم هو للمرة الاولى والاخيرة.. بعدها اخذت عهدا على
نفسي ألا اؤذي قلبي مرة اخرى! نعم آذاني جدا ..حتى أن نظرتي لوالدي (المقدس) اهتزت
قليلا ولكن بقلبي الطفولي أوجدت لأبي آلاف الأعذار ولكن لم أجد لهذه الطقوس أي
تأويل سوى الصمت !
كنت سعيدة بذلك الكبش اللطيف الذي احضره أبي
واستوصانا بطعامه وشرابه.. وكنت أتعهد مكان طعامه بفرح طفولي ... وأملأ له وعاء
الماء و
الطعام كلما فرغ... وفي المساء أضع رأسي على وسادتي وبالي مرتهن بذلك المخلوق
اللطيف الذي أبهجنا (اطفال العائلة) بثغائه!
وفي اليوم التالي
وأنا منهمكة بغسل وعاء الماء الخاص لذلك المخلوق الظريف بيدي الصغيرتين جاءت ابنة
عمي تهمس في اذني.. هذا سيكون اضحية العيد !! ماذا يعني ذلك.... اخذت ابنة عمي
التي تكبرني بأعوام قليلة تشرح لي بحماس تحسد عليه معنى ذلك.. انقبض قلبي غير
مصدقا أو بالاحرى غير راغب في التسليم لهذه الحقيقة المحزنة لي كطفلة... وفي صباح
العيد سحبتني ابنة عمي من يدي راكضة.. تبعتها بفستاني الجديد وأنا ألهث.. حتى رأيت
أبي وهو يذبح الكبش اللطيف ليسقط متخبطا ف دمائه رافسا الهواء بأرجله... يتحشرج
صوته...يتقلب متألما مضرخا بدمائه.. يتعفر جسده بالتراب حتى يهمد.. وأنا ذاهلة
جامدة كتمثال اغريقي!
عندما حان موعد الغداء داعبتني ابنة عمي مذكرة إياي أن هذا اللحم اللذيذ هو لحم صديقي اللطيف الذي كان حتى ليلة البارحة يأكل عشاءه بانبساط وبراءة من يدي! فتيبست يدي في صحن الرز واللحم... وقمت تاركة الغداء ترافقني ضحكات ابنة عمي المشدوهة كم كانت لئيمة وهي تستعذب رؤية الانكسار والحزن في عيني طفولتي الساذجة !
وكانت المرة الاولى والاخيرة التي أشهد فيها طقوس الذبح!!
مشهد ما زال عالقا في نفسي.. كان مؤلما ومحزنا لي كطفلة اذكر انني كنت كلما خلدت الى الفراش جاءني هذا الهاجس ليبدد عني النوم.. ولينشر في رأسي تساؤلات فلسفية وجودية أقف أمامها عاجزة.. لماذا طقوسنا تكتنفها ازهاق الأرواح! ولم أجد جوابا... وكبرت وكبر السؤال... وتضخم وانفجر يوما مهزوما بالصمت والتسليم بالايمان.