حرارة شديدة تلاحق رأسه.. تسيل منه رغبة
جامحة.. تضيق عيناه .. يزم شفتيه .. يرفع دشداشته بقبضتيه.. يتهدل إزاره.. لا يهتم
.. مطلقا عنان رجليه للريح السموم.. يركض ويركض.. حركته بطيئة.. وجسده ثقيل.. وكأنما
يجر شاحنة.. يبدأ باللهاث.. والعرق يسح منه.. يحاول الهرولة هذه المرة .. يتباطأ
أكثر.. فيقرر المشي.. وتغوص رجلاه..أمام تمثال امرأة عارية الجمال! ينزلق إزاره عن
خاصرته اللزجة.. كما تنزلق أيامه منه رغما عنه.. يقف شاخصا فاغرا فاه للسماء يرفع
ثقل (مصرّه)* عن جبهته العابسة..ينظر ويتأمل تتكوم صرخه بين اضلاعه..يعزم على
اطلاق سراحها.. يخونه صوته.. يذوي أمله.. ينظر مجددا ليصطدم بالحقيقة مجددا.. لم
يبرح مكانه!
******
دلف المكتب واجما..
نظر إليه زميله ساخرا: وعليكم السلام!
-
عفوا لم ألمحك!
-
مابك يارجل .. هونها وتهون!
همهم في سره : كل شيء هين لدى زميلي البشوش ..سعيد بشهادته
العامة.. و براتيه الضئيل.. و بسيارته الهرمة.. وبالحجرة الصغيرة التي تأويه وأبناءه..
والأنكى اسمه سعيد!
-
رأيت نفس الكابوس مجددا!
-
وقع إزارك مجددا! يارجل احمد ربك أنه كابوس!
-
أيها اللعين .. اضحكتني!
-
ولكنها لن تدوم للأسف.. المدير سأل عنك!
ضاقت عيناه..واختنقت بشاشته!
-
ماذا يريد؟
-
علمي علمك!
********
دق الباب.. ودلف بعد سماعه صوتا يطلب منه
الدخول. تمطط المدير كهر سمين
على مقعده الجلدي.. ليبرز كرشه النصف دائري كطاولته التي أمامه.. ورفع بصره الى ذلك الخيال الجاثم..
على مقعده الجلدي.. ليبرز كرشه النصف دائري كطاولته التي أمامه.. ورفع بصره الى ذلك الخيال الجاثم..
-
يا مرحبا... وصلت .. شرفت ..
-
ما المطلوب؟
غادرت نبرته الساخرة لتحل الجدية: اجلس.. لقد رفعت استراتيجية الدائرة الى المسؤولين.. والمرحلة القادمة كما تعلم ستكون تحديا
حقيقيا.. وأنا اعلم أنك صاحب شهادة عالية ومعرفة واطلاع وستبرز مواهبك للفترة
القادمة .. وكما تعلم قد اعتمدت في منهجيتي هذه على خبرتي في دائرتي السابقة.. لذلك
أتيت بك هنا ..واعلم أنها فرصة سانحة لك للسطوع
ولتفانيك في تنفيذ استراتيجيتي وأنت تستحق !
*******
سحق أسنانه .. طنين عنيف يكاد يصمّه! أغلق
خلفه باب المدير وباب أمانيه المشؤومة.. توجه إلى مكتبه مارا بتلك الفاتنة
الأنيقة.. لم تهتم به كعادتها.. اكملت النظر الى مرآتها الصغيرة وقلم أحمر
الشفاه.. يمارس مداعباته القانية لشفاهها المكتنزة! شعر بأهداب إزاره تداعب أقدامه الجافة.. لم يأبه
..جر جسده النحيل صوب مكتبه.. اتكأ على مقعده الجلدي المهترئ.. ورفع مصره عن جبينه
المتغضن بالعبوس! نظر إلى سقف المكتب فاغرا فاه .. اصطدم بذات الحقيقة
المتكررة.. أنه لم يراوح مكانه!
-
وعليكم السلام..
-
سعيد.. هل علي أن اسلم عليك ألف مرة في
اليوم!
-
لا ولكن أدرك إزارك ... فقد تحقق كابوسك!
******
* عمامته
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق