على إحدى مجموعات (الواتس أب) تمت مناقشة فيديو لطفل من جنسية عربية يتحدث بطلاقة
وبلاغة وبفكر خلاب بلا خوف وبكل ارتجال امام ملأ من الناس؛ فاستيقظت هواجسنا عن
ماهية الخلل والخجل الذي يعانيه أطفالنا من الظهور أمام الناس.. فما بالكم
بالتلفاز، يقول صمويل جونسون "الثقة بالنفس أول مستلزمات الأعمال
العظيمة." اذكر ذات مرة حين عرض التلفزيون العماني حلقة مهمة عن الحراك
الثقافي في السلطنة..لكن المخيب للآمال أن الحلقة كانت ركيكة بسبب الضيفة المثقفة التي كانت مرتبكة وتتلعثم فاضطرت
المذيعة أن تأخذ دورها! وذات حوار تم
استضافة شاب عماني على إحدى القنوات العربية..فكان المذيع يستعرض عضلاته
الفكرية بالمراوغة في الأسئلة والابتعاد عن لب الحلقة.. لكن ما أثار دهشتي هو هدوء
ذلك الشاب وإجابته الموضوعية ومناورته الذكية ليعيد محور الموضوع الرئيسي للحلقة
الذي جاء لأجله! إنها ملكات وقدرات لكن لم تأت من فراغ.. لبنتها الأولى تأسست في
الأسرة في سحيق الطفولة.
ومن البديهي جدا أن الإفراط في العقاب أو في الدفاع عن الطفل؛ يؤثران سلبا على شخصيته، فقد يستشهد البعض لتبرير الضرب بحديث "علموهم لسبع واضربوهم لعشر" ولكن تناسوا الأحاديث التي وصفت النبي الكريم عليه الصلاة والسلام بأنه ما ضرب طفلا ولا امرأة.. وتناسوا أن الحديث الذي مر آنفا عن الصلاة, لقد تناسوا ذلك وضربوا أطفالهم قبل بلوغ العاشرة، وتناسوا شروط الضرب باجتناب الوجه و ألا يخدش جلدا ولا يكسر عظما!
نستعرض موضوع حرية التعبير الذي وبكل أسف يصادر من الأطفال بحجج واهية, على سبيل المثال برنامج (لعب عيال) الذي أبرز النجم أحمد حلمي وحواراته اللطيفة التي كشفت جوانب باهرة لأولئك البراعم الذين شاكسهم بحواراته الشهية. أما سياسة الإقصاء والتهميش لهؤلاء الأطفال من الحياة الاجتماعية فهذا مدمر فعلا. أحيانا نجد الوالدين يربيان ابنيهما على الحوار وحرية التعبير لكن هذه التربية تلقى امتعاضا من باقي أفراد الأسرة بسبب ثقافة هزيلة مزروعة في خلايا أدمغتهم " ثقافة العيب" وأنهم مجرد "جهال"!
وإذا تخطينا هذه الدوائر نأتي للمدرسة التي يقضي الطفل جل عمره ووقته متنقلا بين أروقتها..ولا يخفى علينا سلبيات مدارسنا والممارسات التي تزخر بها إلا ما رحم ربي! فمازلت أتذكر حديث تلك الأم قبل أيام عن ابنتها "المميزة في دراستها " التي هي برعم من براعم الصف الأول وما تعرضت له من ضرب على يد معلمتها..وطبعا هذه هي الشكوى الثانية من ابنتها! بالله عليكم طلاب الصف الأول يتم ضربهم بعصا؟؟ ومن قبل معلمة عمانية!!؟؟ في المرة الأولى ابتلعت تلك الأم غصتها لأن المعلمة السابقة كانت وافدة.. ربما ظنت أنها ستحظى بالتأييد لضرب الأطفال كما فعل آباؤنا ذات جيل! وتستكمل كلامها قائلة: توقف مسلسل ضربها لطفلتي؛ لكن عندما سألت طفلتي: هل توقفت عن ضربكم جميعا؟ أجابت بالنفي..وأردفت الطفلة ضاحكة: ماما أظن معلمتي خافت منك فهي تضرب الكل سواي!
ومن الأمور التي تثبط من الطفل انتقاص كرامته بالشتم والتجريح والألقاب الجارحة سواء من الأهل أو الأصدقاء أو المدرسة ومقارنته بغيره دون أي اعتبار للفروقات الفردية!
وأخيرا نعود لتعزيز الثقة ..فالمشاركة في فعاليات
المدرسة كالإذاعة والمسرح وتمثيل المدرسة في الأنشطة الرياضية, وكذلك ممارسة حق
طرح الأسئلة، ونبذ الفوبيا التي يعانيها بعض المعلمين أو الآباء من الوقوع في حرج
أسئلة الأطفال! والقراءة التي بلا شك تفتح آفاقا فكرية لدى الطفل..وتمنحه لغة
وطلاقة وخيالا. ولا يمكن إغفال أهمية حضور مجالس الكبار فإرهاصاته الإيجابية على
الطفل لا حصر لها وانظروا إلى أطفال البادية وحديثهم وجرأتهم وأشعارهم التي
حفظوها. لا غرو إذن أن يتحسر عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) عندما صمت ابنه عن
إجابة كان يعرفها ولم يعرفها الصحابة لسؤال ألقاه النبي عليه الصلاة و السلام
عليهم في مجلسه. لذلك خرج لنا جيل عظيم ذو رؤية وذو ثقة من الصحابة والتابعين
قادوا الفتوحات الاسلامية ونشروا راية الإسلام وقدموا خدمات جليلة للانسانية. إننا
بحاجة إلى جيل واع ومتوقد وبناء وواثق، فعماد الدول وتاريخ حضاراتها تبنى بعقولا ابنائها
قبل سواعدهم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق